المحكمة العليا
القضاة :
صاحب السعادة السيد / خلف الله الرشيد رئيس المحكمة العليا رئيسا
سعادة السيد / د. حسن محمد علوب قاضي المحكمة العليا عضوا
سعادة السيد / محمد الفضل شوقي قاضي المحكمة العليا بالانابة عضوا
حكومة السودان /ضد/ أحمد عجبنا معلا واخرين
م ع/ م ك/ 151/ 74
المبادئ:
اجراءات جنائية – المحاكمة – غياب المحامي عن الجلسة – منح المتهم فرصة لتعيين محام اخر.
اجراءات جنائية – المحاكمة – عدم تأجيلها الا لاسباب تدون كتابة.
اجراءات جنائية – تولى المحكمة الدفاع عن المتهم الذي لا يمثله محامي.
اجراءات جنائية – حق المتهم في تعيين محام للدفاع عنه – المادة 212 من قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1974.
اجراءات جنائية – المحكمة الكبرى – رئاستها بواسطة القاضي الذي قام بالتحقيق القضائي.
قانون دستوري – الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية – حق المتهم في الاستعانة بمحام – المادتان 63 و 67 من الدستور.
1- اذا طلب المحامي التاجيل في موعد الجلسة لاسباب معقولة او تغيب دون ابداء اسباب واتضح عدم اعلان المتهمين بغيابه يتعين على المحكمة دعوتهم لتعيين اخر واذا تعذر ذلك في الحين والساعة فان التاجيل يصبح من الامور المرغوب فيها.
2- تملك المحكمة سلطة تحديد موعد للجلسات والسير بالمحاكمة في الموعد المحدد مع عدم التاجيل او التوقف الا لاسباب ضرورية تدور بالمحضر كتابة وتكون مشروطة اذا لزم الامر.
3- لقد استقر الوضع بمحاكم السودان في ان تتولى المحكمة مهمة الدفاع عن المتهم اذا لم يتيسر له تعيين محام ينوب عنه ولم تعين له الدولة من يؤدي تلك المهمة.
4- طبقا للمادة 212 من قانون الاجراءات الجنائية يفسح المجال لكل متهم لممارسة حقه القانوني بان ينيب محاميا للدفاع عنه متى أعلن رغبته في ذلك.
5- قيام نفس القاضي الذي اجرى التحقيق القضائي برئاسة المحكمة الكبرى لا يعتبر اساسا لالغاء الاجراءات ، ولو انه اجراء غير مرغوب فيه ومن المستحسن تفاديه.
6- كفلت المادتان 63 و 67 من الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية الحق للمتهم بان يستعين بالاستشارة القانونية المستقلة وان يختار من المحامين من يمثله في التقاضي او يدافع عنه.
الحكم:
24/2/1975 :
جلست محكمة كبرى في بارا برئاسة السيد إمام البدري علي وباشرت نظر قضية مشاجرة بين فريقين أدت الى وفاة أحد أفراد الفريقين وقد انتهت المحكمة من أخذ كل البينات في يوم واحد واصدرت حكمها في يوم 28/8/1974 وكان يقضي بما يلي :-
الفريق (أ) :
المتهم الأول أحمد عجبنا معلا :
مذنب تحت المادة 251 من قانون العقوبات وحكم عليه بالاعدام شنقا حتى الموت.
المتهم الثاني عبد الله حامد جمعه والمتهم الثالث أحمد عز الدين معلا والمتهم الرابع محمد علي عجبنا والمتهم الخامس النور حامد جمعه والمتهمة السادسة أم بلة حامد جمعه والمتهمة السابعة أم قس جمعه موسى والمتهمة الثامنة التومة جمعه موسى.
جميعهم مذنبون تحت المادة 88/251 من قانون العقوبات وحكم على ثمانيتهم بالسجن المؤبد.
الفريق (ب) : المتهم الأول حامد محمد أحمد والمتهم الثاني أحمد فضل الله فضل :
كلاهما غير مذنب تحت المادة 88/127 (أ) من قانون العقوبات ولا اي مادة اخرى وافرج عنهما.
تقدم محاميان ، كل منهما يطعن /ضد/ قرار المحكمة نيابة عن افراد الفريق الأول ويمكن تلخيص الاسباب التي استند عليها الاستاذان في النقاط الاساسية التالية :-
1- محامي الفريق الأول طرأت له ظروف قاهرة أصبح معها حضوره للمحكمة في اليوم المحدد لنظر القضية مستحيلا وقد ارسل يعتذر فرفضت المحكمة اعتذاره واصرت على السير في المحاكمة ، وحرمت بذلك المتهمين من الفريق الأول من حقهم الدستوري والقانوني في ان يقوم محام بالدفاع عنهم وقد اثر هذا الحرمان في عدالة المحاكمة.
2- الشاهد الوحيد المحايد في القضية لم تسمع له المحكمة واكتفت بقراءة الاقوال التي ادلى بها في التحقيق القضائي وهو رجل من رجال البوليس ولم يكن من المتعذر الحصول عليه حتى يمكن القول بان الاستغناء عنه جاء وفقا لشروط المادة 220 من قانون التحقيق الجنائي.
3- القاضي الذي اجرى التحقيق القضائي هو نفسه الذي ترأس المحكمة الكبرى والمفروض ان يكون رئيس المحكمة قاضيا غير الذي اجرى التحقيق حتى لا يجئ للمحكمة برأي سبق له تكوينه واستقر رايه عليه مما ينتج منه مصادرة للغاية التي من اجلها شرعت محكمة الاحالة وقد كان من الممكن تفادي ذلك الوضع بارسال قاض اخر من الابيض التي لا تبعد كثيرا من بارا ليتولى رئاسة المحكمة.
4- المحكمة اكتفت بالتقارير الطبية التي كتبها المساعد الطبي عن المصابين ولم تطلبه شخصيا لاستيضاحه عن صحة تلك التقارير حسب مقتضيات القانون والممارسة.
5- لم تعط المحكمة المتهمين في الفريق الأول فائدة الاستثناء الخاص بالاستفزاز الخطير والمفاجئ ، واعتبرت الفاصل الزمني بين واقعة خطف العروس وحصول المعركة مانعا من استفادتهم من ذلك الاستثناء ، ولو طبقت المحكمة نظرية الاستفزاز المتراكم لتوصلت الى غير ذلك.
وحاصل الطعن ان المحاكمة نتيجة لهذه الاخطاء تعتبر باطلة ولابد من اعادة نظر القضية واحتياطيا يطلب المحاميان تعديل الادانة لتكون تحت المادة 253 بدلا من 251 من قانون العقوبات.
الوقائع الجوهرية التي ليس هنالك خلاف حولها والتي ثبتت فوق كل شك معقول يمكن ايجازها في ان المرحوم وشقيقه المتهم الثاني من الفريق (ب) لم يكونا موافقين على زواج بنت اخيهما من احد افراد الفريق (أ) وهو المتهم الخامس (أ) وبذلك ذهبوا كجماعة في يوم 28/4/1973 الى المكان الذي كان يتم فيه الاحتفال بذلك العرس في قرية مضيمين واخذوا العروس قسرا ورجعوا بها لمنازلهم وابلغ اهل العريس الامر للبوليس وثم القبض على المرحوم وشقيقه وحجزا بالحراسة وفي يوم 30/4/1973 افرج عنهما بالضمانة وتوجها في طريق عودتهما لاهلهما ولكنهما عادا الى البوليس وابلغاه ان افراد الفريق (أ) وهم اهل العريس يقطعون عليهما طريق العودة ويتحرشون بهما وصحبهما البوليس ليرى صحة ما ذكراه ولم يجد احدا ولكنه شاهد بعض الاثار ، وانصرف البوليس لشان اخر متعلق بذلك الحادث المتشعب وبعد قليل بلغه ان الفريقين قد اصدما فذهب وراى مخلفات المعركة ومناظرها الاخيرة وتمكن من ايقاف تبادل الضرب ووجد المرحوم داخل احد المنازل ميتا.
هذه هي الحقائق الاساسية التي ثبتت من البينات التي استمعت لها المحكمة والتي يبدو انه ليس هنالك خلاف حولها ونحن نجد في بعض النقاط التي اثارها الطعن المعروض علينا ما يتعين علينا البث فيه مباشرة دون الدخول في الحيثيات.
قيام نفس القاضي الذي اجرى التحقيق القضائي يتراس المحكمة الكبرى لا يعتبر اساسا لالغاء الاجراءات ولو انه اجراء غير مرغوب فيه ومن المستحسن تفاديه كلما تيسر ذلك.
اما عن النقطة الخاصة برفض المحكمة للطلب الخاص بتاجيل نظر القضية نسبة لظروف خاصة تقدم بها محامي الفريق الأول فهي نقطة جوهرية يلزم ان نتوقف عندها ونوضح القانون والممارسة بالنسبة لها.
المادة 212 من قانون الاجراءات الجنائية تنص على ان كل شخص متهم امام محكمة جنائية له الحق في ان يدافع عنه مترافع وهذا يعني ان المحكمة ملزمة بافساح المجال امام كل متهم امامها لممارسة حقه هذا الذي منحه له القانون بان ينوب عنه محام في الدفاع عنه متى اعلن عن رغبته تلك وقد جرى العمل على ان تتحرك المحكمة من تلقاء نفسها وتستفسر من المتهم ان كان يود ان يعين محاميا للدفاع عنه وتسجيل ذلك والرد الذي يدلى به في المحضر ثم الاجراء الذي تتبعه واسبابه ان لم يكن المحامي المذكور حاضرا.
وقد جاء الدستور الدائم بنص جديد في المادة 63 منه يقرر لكل مواطن الحق المطلق وغير المقيد بان يستعين بالاستشارة القانونية المستقلة كما له ان يختار بحرية من يمثله في التقاضي وفقا للقانون واكد ذلك المبدأ في الفقرة الثانية من المادة 67 التي تقول كما وللمتهم الحق في اختيار من يدافع عنه ومن المحامين.
كل هذا يختص بحق المتهم في تعيين المحامي الذي يتولى مهمة الدفاع عنه والتي جرت العادة واستقر الوضع على ان المحاكم في السودان تقوم بها كامر مفروغ منه كلما ظهر امامها متهم لم يتيسر له تعيين محام ينوب عنه ولم تعين له الدولة من يؤدي تلك المهمة – ومن الناحية الاخرى الاخرى نجد ان القانون كفل ايضا للمحكمة سلطة تحديد موعد الجلسات والسير بها وجاءت المادة 236 من قانون الاجراءات الجنائية بنص يفهم منه ان الاصل هو السير بالمحاكمة في الموعد المحدد لها وعدم اللجؤ للتاجيل او التوقف الا لاسباب ضرورية تدون كتابة في المحضر وتكون مشروطة متى مالزم ذلك – وواجب المحكمة في التوفيق بين هذين المطلبين متى ما طرأ تعارض بينهما ويبدو دقيقا ويتطلب الحرص والموازنة الواعية من اجل تحقيق العدالة والتطبيق الصحيح للقانون.
في هذه القضية حددت المحكمة موعدا لبدء المحاكمة وكان المتهمون قد عينوا محاميهم وتم اعلانه ولكنه اتصل قبل الجلسة والتمس التاجيل مبديا اسبابا شخصية قاهرة – صحيح انه كان يلزم عليه ان يعين من تلقاء نفسه من ينوب عنه في تمثيل المتهمين الذين اصبحت قضية دفاعهم امانة في ذمته لكن فشله ذلك يجب الا يقاسي المتهمون منه باي شكل من الاشكال ولا يمكن ان يكون اساسا لاهدار حقهم في تعيين خلف له – فاذا كانت المحكمة قد رأت بعد الموازنة الدقيقة ان مضار التاجيل تفوق الفوائد التي قد تعود على قضية الدفاع فكان يلزم ان توضح باسهاب ووضوح الاسباب التي تدعوها للاصرار على السير في محاكمة متهمين سبق ان اعلنوا عن رغبتهم في ممارسة حقهم في ان ينوب عنهم محام في تقديم دفاعهم وهو حق اصبح الان ذا وزن كبير بعد ان تضمنه نص من نصوص الدستور.
نخرج من هذا الى ان الاجراء الصحيح امام المحكمة هو دائما ان تستفسر من المتهم او المتهمين عن من سيقوم بتمثيل دفاعهم واذا تغيب ذلك المحامي عن موعد الجلسة بدون اسباب او لاسباب واهية ولم يستطع المتهمون تبرير غيابه او تبرير عجزهم عن استبداله الفوري باخر ووضح عدم جديتهم فاللمحكمة ان تقرر السير بالمحاكمة لانها تكون حيئنذاك قد منحت المتهمين فرصتهم في ممارسة حقهم المشار اليه ففشلوا في الاستفادة منه جديا – وحينئذ تسجل كل ذلك بوضوح وتفصيل في المحضراما اذا طلب المحامي التاجيل في موعد الجلسة لاسباب مقبولة او تغيب دون ابداء اسباب واتضح عدم علم المتهمين بغيابه يتعين على المحكمة دعوتهم لتعيين اخر واذا تعذر عليهم ذلك في الحين والساعة فان التاجيل يصبح من الامور المرغوب فيها والمشار اليها في الفقرة الاولى من المادة 236 من قانون الاجراءات الجنائية.
على ضوء هذا نرى في اصرار المحكمة على السير بالمحاكمة في موعد الجلسة دون التحقق من جدية ومعقولية الاسباب التي تقدم بها سلفنا المحامي بدون دعوة المتهمين لتعيين خلف له ان كانت المحكمة قد رفضت اسبابه بعد التدقيق منها وبدون كتابة مذكرة وافية بالمحضر وتوضح كل الظروف والموازنات والخطوات التي اتخذتها المحكمة لكفالة الحق الممنوع قانونيا ودستوريا للمتهمين في هذا الشان – نرى في هذا ما يجعل الاجراءات غير سليمة مما لا نجد معه مناصا من الغائها رغما عما يسببه ذلك من متاعب ومضايقات لجميع الاطراف المعنية.
لهذه الاسباب نرفض تأييد القرار ونامر باعادة المحاكمة من جديد برئاسة قاضي المديرية.