الخميس, 25 نيسان/أبريل 2024
Blue Red Green

  • أخبار سريعة
أخبار قانونية: وفاة رئيس القضاء السوداني مولانا حيدر احمد دفع الله - السبت, 24 تشرين2/نوفمبر 2018 18:45
الرئيسية منشورات قضائية منشورات جنائية منشورات جنائية قديمة منشور جنائي ـ مذكرة تفسيرية للمنشور الجنائي رقم / 2009م

منشور جنائي ـ مذكرة تفسيرية للمنشور الجنائي رقم / 2009م

{مذكرة تفسيرية للمنشور الجنائي رقم /   2009م}

 
   

 

 

الحمد لله وحده – والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

وبعد:

كان المعمول به بدءً من المنشور الجنائي رقم 86/1983م والمنشورات اللاحقة بالأرقام 1/1991م و1/1994م و1/1996م  ثم المنشور الجنائي رقم 2/2004م، بشأن تحديد قيمة نصاب السرقة الحدية هو النظر إلى تحديد القيمة على ضوء السعر المحلي لمقدار (4.25 جراماً) من الذهب الخالص، تأويلاً للدينار الذهبي المنصوص عليه بالمادة (170/5) من القانون الجنائي لسنة 1991م بتلك الزنة، دونما اعتبار لقيمة السك.

إن المادة (170/5) من القانون المذكور تنص بالفعل على أن : " يكون النصاب ديناراً من الذهب، يزن 4.25 جراماً- أو قيمته من النقود، وفق ما يقدره من حين لآخر رئيس القضاء ، بعد التشاور مع الجهات المختصة".

ويتبيَّن لنا أن " الدينار الذهبي " المنصوص عليه بالمادة الآنفة الذكر، كان نقوداً – لا تبراً- بل عملة مسكوكة مبرئةً للذمة في صدر الإسلام، ثم كسرت تلك العملة فلم يعد لها وجود في عصرنا الحاضر.

 

يقول البلاذري في كتاب (فتوح البلدان) : " عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعَيرْ قال: (كانت دنانير هرقل ترد على أهل مكة في الجاهلية، وترد عليهم دراهم الفرسالبغلية، فكانوا لا يتبايعون إلاَّ على أنها تبر ... فأقرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأقرَّه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فكان معاوية فأقرَّ ذلك على حاله. ثم ضرب مصعب بن الزبير في أيام عبد الله بن الزبير دراهم قليلة كسرت بعد. فلَّما وُلي عبد الملك بن مروان سأل وفحص عن أمر الدراهم والدنانير، فكتب إلى الحجاج بن يوسف أن يضرب الدراهم على خمسة عشر قيراطاً من قراريط الدنانير، وضرب هو الدنانير الدمشقية ...". {فتوح البلدان للبلاذري جزء 3 ص 571/572}.

ثم ذكر البلاذري مسترسلاً بأن أول من ضرب الدنانير المنقوشة هو عبد الملك بن مروان سنة أربع وسبعين للهجرة، بعد أن كانت ترد الدنانير المضروبة من الذهب من رومية والدراهم الفضية-الكسروية من بلاد فارس، وأن الحجاج بن يوسف ضرب دراهم بغلبة سنة خمس وسبعين للهجرة وكتب عليها (بسم الله) في وجه، وفي الوجه الآخر (الحجاج) ثم كتب عليها بعد سنة (الله أحد. الله الصمد) فكره ذلك الفقهاء فسميت (المكروهة) {راجع كتاب فتوح البلدان جزء 3 ص574/575}.

لقد كانت الدنانير مضروبة من الذهب، وكان فيها الخالص والزيوف، وكان الخليفتان عمر وعثمان رضي الله عنهما إذا وجدا الزيوف في بيت المال جعلاها فضة، وقيل: إن ابن مسعود كان يأمر بكسر الزيوف سدّاً لذريعة الغش. {راجع المرجع السابق ج3 ص 576}.

فتلك صورة موجزة عن حالة (الدينار الذهبي) التي نصت عليها المادة (170/5) من القانون الجنائي لسنة 1991م، فهو فضلاً عن أنه نظام نقدي ليس له وجود في عصرنا الحاضر، فإنه متفاوت بين رومية وأخرى دمشقية، وثالثة حميرية ونحو ذلك، ولا يمكن معرفة قيمته النقدية بمجرد تحديد زنة الذهب فيه، بنحو ما حددته المادةالآنفة الذكر، حيث كان يخالطه قدر من الفضة، فالذهب الخالص لا يقبل السك، ثم هناك قيمة السك "التصنيع"، ومحصلة ذلك كله أن تقدير قيمة تلك العملة (الدينار الذهبي) المنصوص عليه بالمادة المذكورة بالنظر إلى زنة (4.25 جراماً من الذهب) فقط ليس أمراً دقيقاً –بل ولا صائباً أصلاً-، حيث إن الدينار الذهبي لم يكن مجرد تبر غير مسكوك وإنما كان مسكوكاً كما بيناه آنفاً.

بناءً عليه فإن تحديد قيمة نصاب السرقة الحدية فقط على ضوء السعر المحلي للذهب (4.25 جراماً) لم يعد سديداً، فتعينت الاستعاضه عنه بما هو أدق، وهو تحديد قيمة نصاب السرقة الحدية المنصوص عليه " أي قيمة الدينار الذهبي" ، بالنظر إلى القيمة الشرائية للدينار الذهبي في صدر الإسلام، دونما إغفال لمقتضيات تفاوت البيئات- أعني التفاوت بين تلك البيئة التي اتسمت بندرة الثمن والمثمن وبين البيئة السودانية الحاضرة التي تتسم بالوفرة في الثمن والمثمن، ولئن كان الدينار يشترى شاتين في صدر الإسلام، فإن ما يقابلهما في عصرنا أكثر بكثير.

يقول السرخسي في المبسوط: " ... قيل للمعنى فيه: أن العبرة للقيمة في المقادير، فإن الشاة تقوَّم بخمسة دراهم في ذلك الوقت- أي في عصر النبوة-". {راجع المبسوطللسرخسي جزء2 صفحة 150 }.

ومعلوم أن الدينار عشرة دراهم-في الأغلب – ومن هذا المعنى ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: " قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يد رجل في مجنٍ قيمته دينار" أو عشرة دراهم  {رواه أبو داؤد في سننه في كتاب الحدود باب ما يقطع فيه السارق، ورواه النسائي في سننه في كتاب قطع السارق}.

وكان الدينار أحياناً إثنى عشرة درهم-. وقد روعيت كل تلك المعطيات الآنفة الذكر في هذا المنشور، كما روعيت فيه ضرورة الملاءمة مع روح الشرع الحنيف حيث لا قطع في المال التافه؛ إذ روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " ما كانت اليد تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشئ التافه" {راجع فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني جزء 12 ص117 ، وللحديث رواية بإسناد آخر في السنن الكبرى للبيهقي في كتاب السرقة جماع أبواب القطع في السرقة}.

وعليه فقد جاء تحديد مقدار النصاب بهذا المنشور أكثر رعايةً لظروف الزمان والمكان، وأحفظ للمال وأصون لشرف العضو، وأكثر اتساقاً مع روح الشرع الحنيف.

وبجانب ما ذكر، فقد كان من دواعي المصير إلى هذا النظر، عدم استقرار أسعار الذهب –محلياً وعالمياً- فالذهب يتغير سعره حسب البورصة العالمية، وأحياناً بمؤثرات لا تتصل بالمعايير الاقتصادية، وقد يتراوح سعره بين انخفاض وارتفاع بينهما البون شاسع.

لقد أخذ المنشور برأي جمهور الفقهاء بالنص على تقويم المال المسروق وقت السرقة، معرضاً عن الأخذ برأي فقهاء الحنفية القائل بديمومة استقرار قيمة المال المسروق من وقت السرقة إلى وقت تنفيذ حكم القطع، حيث إن الأخذ برأي فقهاء الحنفية تتمخض عنه صعوبات عملية عديدة.

إن سريان هذا المنشور اعتباراً من اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان عام 1430هـ الموافق اليوم السابع عشر من شهر سبتمبر عام 2009م على كل القضايا المنظورة أمام المحاكم بمختلف مراحلها بما فيها مرحلة التأييد بوساطة المحكمة العليا وفقاً لأحكام المادة 181 من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م يلزم منه مراعاة هذا المقتضى في الأحكام التي أصبحت انتهائية بعد تاريخ سريان هذا المنشور وقبل وصوله إلى المحاكم، وأظهر منه ضرورة مراعاة مقتضياته في القضايا المنظورة في كل المراحل المذكورة بالمنشور فذلك ما يقتضيه إعمال التشريع الأصلح للمتهم.

والله الموفق،،،

 

إدارة المكتب الفني والبحث العلمي

 

تحريراً في اليوم السابع والعشرين

من شهر رمضان المعظم لسنة 1430هـ

الموافق السابع عشر من شهر سبتمبر 2009م

 

 

  إشترك في القائمة البريدية

  إبحث في الموقع