الدكتور/ يحى الشاذلي الشيخ الريح السنهوري ـ (سيرة ذاتية)
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
مقدمة:
يهدف المستثمر في السوق الأولية سواء كان شريكا (مساهما) أو مقرضا (مالكا لسندات) للتخلص من السيولة (نقود) فيتم تحويلها لنوع آخر من المنقولات المعنوية (أسهم أو سندات)، وذلك بقصد تحقيق عائدا من تلك النقود والذي يتمثل في الربح أو الفائدة. كما يستطيع أن يحول تلك المنقولات مرة أخرى لنقود سائلة من خلال إعادة بيعها في السوق الثانوية.
يتم إصدار الأوراق المالية عن طريق طرحها للإكتتاب لأول مرة من قبل الشركات المساهمة العامة لجمهور المستثمرين. ويكون ذلك الطرح في السوق الأولية أو ما يعرف بسوق الإصدارات، وهو السوق الذي يتم فيه بيع إصدارات الأسهم والسندات الجديدة حيث تقوم الشركات بطرح أسهم أو سندات للحصول على موارد مالية لتمويل إستثمارات جديدة أو للتوسع في مشروعات قائمة.
الواقع أن حاجة الشركات للأموال هي التي تدفعها للجوء للمستثمرين في السوق الاولية فتنشأ العلاقة مباشرة بين مصدر الورقة المالية (الشركات) والمكتتب بتلك الورقة. ولما كانت العلاقة مباشرة بين الشركة والمكتتب كان لا بد للمشرع من التدخل بوضع ضوابط لحماية المستثمرين من عدة جوانب: توفير المعلومات والبيانات حول الجهة المصدرة للأوراق المالية وتنظيم الإصدار وتغطية الأوراق المالية التي لم يتم الإكتتاب بها والتخصيص وغيرها من االضوابط.
غير أن تلك الضوابط قد تختلف بإختلاف نوع الورق المالية المصدرة، وبمعنى آخر تختلف ضوابط إصدار الأسهم عن ضوابط إصدار السندات.
أولا: ضوابط إصدار الاسهم في السوق الأولية:
يعرف السهم بانه حقوق الشريك داخل الشركة والتي يمكن تصنيفها لنوعين من الحقوق وهي الحقوق المالية أو الإقتصادية وأهمها حق الحصول على الأرباح إذا وزعت الشركة أرباحا، وحق إسترداد قيمة السهم عند حل الشركة وتصفيتها وحق الإكتتاب في الأسهم الجديدة إذا طرحت الشركة أسهم، وحقوق إدارية أو سياسية وأهمها حق الحضور والتصويت داخل الجمعيات العامة للشركات (حقوق المساهمين واردة في المواد: 89، 115، 121، 123، 128، 132، 159، 162، 187، 193 من قانون الشركات التجارية القطري).
يتم إصدار الاسهم في السوق الأولية بناء علي موافقة الهيئة الرقابية على سوق المال بعد إعداد نشرة إصدار من قبل الشركة وتعيين مدير إصدار الذي يمثل حلقة إتصال بين الشركة وبنوك الإكتتاب، كما يتم تعيين متعهد بالتغطية وغير ذلك. غير ان ضوابط إصدار الأسهم في السوق الأولية تختلف بحسب ما إذا تم هذا الإصدار في بداية تأسيس الشركة أم عند زيادة رأسمالها.
ضوابط إصدار الأسهم في السوق الأولية عند بداية تأسيس الشركة:
ويتعلق الأمر بالشركات الجديدة اي التي لم يسبق لها وجود كشركة مساهمة عامة علي الأقل. فالقاعدة العامة أن علي المؤسسين أن يكتتبوا بنسبة معينة من أسهم الشركة ويتم طرح الجزء المتبقي في السوق الأولية (لا تقل تلك النسبة عن 20% ولا تزيد عن 45% من رأسمال الشركة وفق المادة 76 شركات/قطري). كما تحظر القوانين تغطية المؤسس الواحد لأكثر من نسبة محددة من رأس المال وذلك بهدف توزيع الأسهم لأكبر عدد من المستثمرين (يجب أن لا يجاوز إكتتاب المؤسس الواحد 10% من رأس المال المادة 76 شركات/قطري).
لا تطرح الشركة اسهمها في السوق الأولية إلا إذا سبق ذلك الطرح إعداد نشرة إصدار وفق المتطلبات القانونية سواء الصادرة من سوق الأوراق المالية أو الجهات الرقابية (المادة 77 شركات/قطري). يتم الإكتتاب عادة عن طريق المصارف (المادة 78 شركات/قطري). ويبقى الإكتتاب مفتوحا لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن ثلاثة أشهر لتلقي كافة طلبات المستثمرين(المادة 78 شركات قطري).
إذا تم الإكتتاب بكامل الأسهم المطروحة للإكتتاب العام بلا زيادة أو نقصان تخصص لكل مكتتب عدد من الأسهم مساويا لعدد الأسهم التي إكتتب بها. غير أن عدد الإكتتابات قد لا يكون مساويا بالضرورة لعدد الأسهم المطروحة للإكتتاب العام، فإذا لم يكتتب بكامل الاسهم المعروضة وجب علي المؤسسين إما العدول عن تأسيس الشركة أو تخفيض رأسمالها (المادة 82 شركات/قطري). أما إذا زاد عدد الأسهم المكتتب بها عن الأسهم المطروحة للإكتتاب العام وجب توزيع الأسهم على المكتتبين بنسبة عدد الأسهم المكتتب بها من كل منهم كما تفرض نشرة الإصدار أحيانا وقبل إجراء ذلك التوزيع، توزيع حد أدني من الأسهم علي جميع المكتتبين (المادة 85/قطري).
يجب علي الشركة في حالة الإكتتاب العام في السوق الاولية تعيين متعهد تغطية يقوم بالإكتتاب بالأسهم التي لم يكتتب بها من قبل الجمهور وذلك من بين الشركات المرخص لها من قبل الجهات الرقابية للقيام بتلك الوظيفة. كما يجوز للجهات الرقابية وبالتنسيق مع مدير الإصدار صلاحية تحديد إجراءات وشروط الإكتتاب والتي من ضمنها طريقة الإكتتاب وتحديد الحد الأدني والأعلي لعدد الأسهم الواجب الإكتتاب بها والحالات التي يقبل فيها طلب الإكتتاب وحالات الرفض والطريقة المقترحة لتوزيع الأسهم بين المكتتبين والفترة الزمنية المحددة لإعادة المبالغ الفائضة للمكتتبين.
وإذا كان طرح الأسهم الجديدة في السوق الأولية يكون في أحيانا كثيرة لشركات حديثة التأسيس، إلا أنه من الممكن أن يكون هذا الطرح لشركات قائمة وذلك بهدف زيادة رأسمالها.
ضوابط إصدار الاسهم في السوق الأولية عند زيادة رأس المال:
تلجأ الشركة لزيادة راسمالها إما لتوسيع نشاطاتها الإقتصادية وإما لتجاوز أزمة تمر بها. يصدر قرار زيادة رأس المال من الجمعية العامة غير العادية لأنه يتضمن تعديل في عقد تأسيس الشركة ونظامها. تعطي قوانين الشركات عادة لكل مساهم حق أفضلية في الإكتتاب بعدد من الأسهم الجديدة بنسبة عدد الأسهم التي يملكها (المادة 195 شركات/قطري). وإذا لم يتم الإكتتاب في هذه الأسهم أو بعضها من قبل المساهمين خلال المدة المحددة لذلك وجب عرضها للإكتتاب العام وفق القواعد الخاصة بالإكتتاب في السوق الأولية عند بداية تأسيس الشركة علي النحو الذي سبق توضيحه.
زيادة راس المال عن طريق إصدار أسهم جديدة تتم إما باللجوء للمساهمين أو المستثمرين في السوق الأولية وقد تكون الحصص المقدمة من هؤلاء حصص نقدية أم حصص عينية تتخذ بخصوصها إجراءات خاصة، وإما بإستخدام أموال الشركة نفسها عن طريق إدماج الإحتياطي أو الأرباح في رأس المال وتوزيع أسهم مجانية للمساهمين.
وأيضا قد تتم زيادة رأس المال عن طريق رفع القيمة الإسمية للأسهم بدمج الإحتياطي أو الأرباح في راس المال (صعوبة تطبيق تلك الطريقة في قطرلإصطدامها بنص المادة 152 شركات/قطري والتي حددت القيمة الإسمية للسهم بقيمة عشرة ريالات) أو الطلب من المساهمين دفع حصص زيادة وفي هذه الحالة الأخيرة يجب علي الشركة الحصول علي موافقة جميع المساهمين لأنه لا يجوز زيادة الأعباء المالية للمساهم (حظرته المادة 197 شركات/قطري).
مع إختلاف طبيعة السهم عن السند إلا أن ضوابط إصدار السندات في السوق الأولية لا تختلف كثيرا عن ضوابط إصدار الأسهم كما سوف نرى.
ثانيا: ضوابط إصدار السندات في السوق الأولية:
إذا كانت حاجة الشركة للأموال تدفعها لزيادة رأسمالها عن طريق إصدار أسهم يثور السؤال لماذا تلجأ الشركات للإقتراض عن طريق إصدار سندات؟ الواقع أنه إذا كان وضع الشركة جيدا فلها الخيار واسعا بين إصدار أسهم أو إصدار سندات. ويبدو خيار إصدار الأسهم في هذه الحالة أقل كلفة من إصدار السندات لأن إصدار السندات يلزم الشركة بدفع فوائد في فترة قصيرة من جهة، ومن جهة ثانية فإن الشركة تلزم برد قيمة السند في فترة تلك الفترة القصيرة، بالإضافة لذلك لا يتاتي للشركة الحصول على علاوة إصدار عند إصدار سندات. ومع ما يحمله إصدار الأسهم في الحالة السابقة من المزايا إلا أنه يقلل من الأرباح بدخول ومشاركة أسهم جديدة. أما إذا كان وضع الشركة غير جيد فإنه قد يصعب عليها إصدار سندات لصعوبة دفع الفوائد السنوية وصعوبة رد قيمة السند في ميعاد الإستحقاق. كذلك قد يصعب عليها إصدار اسهم عادية لعدم رغبة المستثمرين والمساهمين في الإكتتاب، غير أنه يمكن لها إصدار أسهم مع إعطاء المساهمين الجدد بعض المزايا والإمتيازات، حيث تعرف تلك الأسهم بأسهم الأفضلية.
تصدر الشركات المساهمة العامة سندات في السوق الأولية بقرار من الجمعية العامة (المادة 168 شركات/قطري)، وتعطي السندات لماكها الحق في استيفاء فائدة محددة المقدار والحق في استرداد القيمة الإسمية للسند في ميعاد إستحقاقها. ولا تسمح التشريعات عادة بإصدار سندات إلا إذا تم دفع رأس المال بالكامل من قبل المساهمين (المادة 170 شركات/قطري).وتبرير ذلك أنه لا يعقل أن يلجأ المساهمين للإقتراض من الغير عن طريق إصدار سندات في حين أنهم لم يدفعوا إلتزاماتهم تجاه الشركة. كما لا تجيز التشريعات عادة إصدار سندات تزيد مجموع قيمتها الإسمية عن رأسمال الشركة (المادة 170 شركات/قطري) حتي لا تشكل تكلفتها أعباء مالية كبيرة على الشركة. ويتم الإكتتاب بالسندات عن طريق المصارف (المادة 172 شركات/قطري)، كما تتم الدعوة للإكتتاب بها بنفس الإجراءات التي تتم بها الدعوة إلي الإكتتاب بالأسهم.
يجب علي الشركة قبل إصدار السندات في السوق الأولية الحصول علي موافقة الهيئة الرقابية، ولا توافق الهيئة علي ذلك الطرح إلا بناء علي نشرة إصدار معتمدة منها. كما يجب علي الشركة أن تقدم علي مسئوليتها إلي الهيئة تقارير سنوية ونصف سنوية وربع سنوية عن نشاطها ونتائج أعمالها علي أن تتضمن هذه التقارير البيانات التي تفصح عن المركز المالي الصحيح للشركة.
خاتمة:
تقوم السوق الأولية بدور كبير من ناحية جذب الأموال المدخرة وتحويلها إلي الإستثمار في مختلف فروع الإنتاج. فالمستثمر الذي يتنازل عن جزء من أمواله طائعا لكي يصبح مساهما أو دائنا مالكا لسندات لا يقوم بذلك إلا إذا كان مقتنعا أن هنالك ضمانات كافية في السوق الأولية تتيح له الإطمئنان علي أمواله المستثمرة. من هنا ياتي دور الجهات المنظمة والمراقبة للأسواق المالية من حيث فرض ضوابط صارمة خاصة فيما يتعلق بتوفير المعلومات للمستثمرين لحثهم علي تقديم فوائض أموالهم لإستثمارها في السوق، كم أن وجود سوق أولية ذات كفأءة ومقدرة عالية علي جلب الإستثمارات ينعكس وبصورة مباشرة علي السوق الثانوية بزيادة في عمليات التداول مما يؤدي بدوره لدفع عمليات النمو الإقتصادي. وأخيرا ظهر في الأونة الأخيرة نوعا جديدا من الأوراق المالية وهي الصكوك المستندة على أحكام الشريعة الإسلامية والتي سوف نفرد لها لاحقا مقالا خاصا.